ليلٌ شاتٍ.... كان الجو فيه بارداً جداً......خرجت الى شرفة المنزل بهدوء أتلمس ما حولي.....
سكون رهيب يخيم على الاجواء....يخلو من كل شيء الا من أصواتا خافتة لأجهزة تلفاز وصوت لاذاعة القرآن الكريم .......وبعض اصوات شجرٍ تسير راغمةً عندما يقترب منها الهواء البارد بوجهه المخيف
السماء يضيئها بدرٌ مكتمل....إضاءةً ربانيةً لا مثيل لها
..جلست انظرُ فيما ما حولي...في البيوت المحيطة بي....أراها تقاسي آلام البرودة مثلي
دُرتُ بعينى يمنة ويسره.....إلى أن استوقفتنى شجرة تقف بجدية تحت شرفتى مباشرة
تخلو من الأوراق.....وتبدو كشبح مخيف يحرس مدخل البيت....يتجه بفروعه الجرداء إلى كل نحو وصوب وكأنه يشير إلى عُمّار البيوت أن اسكنوا....
وجدتها فرصة طيبة لفتح باب الخيال الحوارى معها
سألتها في نفسي.....أترانى أراك يا شجرتى حزينه.....جاء الشتاء وانتزع أوراقك عنوة حتى جعلك كالمرأة التى مات عنها زوجها وهي في ريعان شبابها.....
أجابتني في نفسها: كلا يا صديقتى....أنا لا يعنينى شتاءاً ولا خريف......الشتاءُ ياًتيني يحمل في قسوته ماءاً يروي ظمأى.....أقتات بماءه حتى استعيد كسائي من اوراقى بعده.....
لولا هذا الشهر البارد لما أريتُ احداً طيب الاوراق والثمار.....
وكذلك البلاء للمؤمن.....قد يحرمه من شيء عزيز عليه كى يسبغ عليه من فيوض النعم والكرم بعدها
قلت لها في نفسي:سبحان الله ...يالها من حكمهةٌ عميقةٌ عجيبةٌ....ولكن أخبرينى يا شجرتي العزيزه ...هل من حكمة في أغصانك وفروعك المتشتتة والمتفرقة في كل مكان....كل فرع منهم في إتجاه يخالف الآخر....وهل هذا يرضيكِ؟
قالت لى في نفسها : صديقتى في ما ذكرتِ حكمة عظيمة لو تأملتيها بقلبٍ مؤمن.....
قلت لها : كيف؟؟؟
أجابتني قائلة : أنتِ لاحظتي تشتتها وتفرقها أليس كذلك؟؟....ولكنكِ لم تلاحظي أنى جمعتهم بجذع واحد يفوقهم طولا وعرضاً .....تنتهي بجذور تتشبث بتربتها....تستمد منها ماءها وقوتها لتوصلها الى الفروع ثم الاغصان ثم الاوراق لتعيد إليهم الحياة
وهذا حال أمتنا....تقاسي آلام التفرق والتحزب....وكل فرقة تنأى بنفسها في إتجاه غير قرينتها
ولكن يجمعهم جذع كبير إسمه الاسلام......يمدهم عن طريق جذوره بماء القرآن والسنة النبويه حتى يكتمل إزدهارهم وتظهر لهم بوادر الثمار الطيبه......ولكن إن أبى غصناً منهم جوار أقرانه ومشاركتهم جدهم ولعبهم....ورأى أنه خيرٌ منهم وفضل الانعزال.....سيكون مصيره هو الجفاف والموت.....
ومهما طال ليل جفافها الشاتِ....ستستقي منه قوّتها وقوُتها...ثم يأتى الفرج بعد حين وتعود الاوراق والثمار في الينوع
فأشدُّ ساعات الليل حلكة هي التي تسبق الفجر.....
ولكأني أرى أن فجر هذه الأمة قريب....
فجرها قريب.....فجرها قرييييييب